"دور الأسرة في المجتمع الإسلامي والتحولات الاجتماعية: دراسة مقارنة بين العالم الإسلامي والغرب

    



 بعد نزول القرآن، حلّت الأسرة مكان نظام القبيلة السائد بين العرب آنذاك، وكان    للإسلام   دورٌ كبير في تعزيز الروابط الأسرية والزوجية. في المجتمع الإسلامي، تُفهم الأسرة بأبعادها الشاملة، حيث تشمل الأجيال المختلفة والأقارب، وقد لعبت الأسرة الكبيرة دورًا هامًا في تربية الأطفال وحمايتهم من الضغوط الاجتماعية والاقتصادية.


   حتى في وجه التحولات الاجتماعية والحداثة، بقي نظام الأسرة في المجتمع الإسلامي  محافظًا على خصوصيته الدينية، واستمر في نقل التقاليد والعادات والقيم الدينية. على العكس من ذلك، في الغرب، شهدت الأسرة تحولًا من الأسرة الكبيرة إلى الأسرة الصغيرة، وفيما بعد إلى الأسرة ذات الولد الواحد، مما أدى إلى تحمل الأسرة ضغوطًا كبيرة وإضعاف دورها في المجتمع.


   تتسم الرؤى المختلفة للحياة في المجتمع الغربي بالتناقض، حيث يعتبر المسلمون التحولات في الحياة الاجتماعية والآداب الجنسية ناقصة وتجارب غير محسومة بعد. يثير هذا الموضوع نزاعًا بين القيم الإسلامية والإصلاحيين الغربيين، بينما يظل المحافظون من اليهود والمسيحيين في الغرب يعارضون هذه التغييرات بشكل مماثل للمسلمين.


   لم يتباين كثيرًا تصوّر المسلمين عن التجارب الاجتماعية الجديدة في مجال الزواج والأسرة عن رؤى اليهود والمسيحيين التقليديين. يشعر العديد من الأسر اليهودية والبروتستانتية والكاثوليكية في أمريكا بأن جيرانهم المسلمين يتقاسمون نظرتهم إلى معاني الزواج وأهمية الأسرة. فيما يتعلق بمسألة الزواج في الإسلام، يجب النظر إلى أهمية الجنس في تصوّر المسلمين، حيث تُعتبر الميول الجنسية في الإسلام رابطًا مقدسًا ومباركًا، بدون الحاجة إلى مراسم دينية كما هو الحال في المسيحية.

   في المقابل، تنظر الديانات الثلاث (المسيحية واليهودية والإسلام) إلى العلاقات الجنسية خارج إطار الرباط الزوجي المقدس كمعصية. يتيح الإسلام الطلاق قانونيًا، لكنه يعتبره غير محببٍ على الصعيدين الأخلاقي والاجتماعي. يُشير الانطباع الشائع في الغرب بشأن حقوق المرأة المسلمة في الأسرة وفي قضايا الطلاق إلى سوء فهم، حيث يتم تجاهل العوامل الاجتماعية والأخلاقية التي تؤثر على الأوضاع الأسرية.

   تشهد العالم الإسلامي جهودًا لحماية حقوق المرأة في قضايا الطلاق، وتأخذ المحاكم الأسرية في الدول الإسلامية مواقف قانونية تعتمد على القرآن والعدل، بدلاً من التقاليد الشائعة. يؤكد الإسلام على أهمية الأسرة وقداستها، ويركز على المسؤوليات المشتركة للزوج والزوجة.


   بالنسبة للزواج، يتباين نموذج المسيحية والإسلام في النظرة المعنوية للزواج. في المسيحية، يعكس الزواج اتحاد الكنيسة مع المسيح، بينما يعتبر الإسلام الزواج عقدًا يستند إلى الشريعة لتنظيم العلاقات الجنسية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للمسلم أن يتزوج من امرأة مسيحية أو يهودية، بينما تحتاج المرأة المسلمة إلى الزواج من مسلم.


   تتجلى هذه النماذج المعنوية في الزواج كجزء لا يتجزأ من عقائد الطرفين. يظهر اختلاف المسلمين في نظرتهم إلى التعددية الزوجية، حيث يفهمونها على أنها جزء من ارتباط الله بخلقه. يستند الزواج في الإسلام إلى نموذج معنوي يختلف عن النموذج المسيحي، حيث يتناول الأول الاتحاد الحقيقي لله مع مخلوقاته.


  تظل هذه النماذج جزءًا من التراث الفكري لكل ديانة، حيث تبرز القيم والأصول التي تشكل أساس الرؤية المعنوية للزواج والأسرة.

  

   على مر الزمن، تم استكشاف مفهوم الأسرة بواسطة المعالجين الأسريين وعلماء النفس وعلماء الاجتماع من خلال مجموعة متنوعة من الإطارات النظرية، مثل نظرية أنماط التواصل الأسري (FCP)، ونظرية القوة الثنائية، ونظرية الصراع، ونظرية أنظمة الأسرة. على الرغم من التنوع في هذه النظريات، إلا أن هناك توجد قواسم مشتركة رئيسية تبرز في جميع النتائج المستندة إلى الأبحاث.
   تبرز العلاقة بين الوالدين كتفاعل أساسي في النظام العائلي، حيث تؤثر جودة التواصل والمشاركة في الرعاية بشكل كبير على تفعيل دور مقدم الرعاية خلال إدارة النزاعات. يظهر هذا التأثير بوضوح في الإعداد العائلي، حيث يعتبر التفاعل بين الأفراد جوهريًا لفهم ديناميات الأسرة.

   تُفهم التربية المشتركة بمعناها الأوسع كهدف أساسي للتربية، حيث يتم التركيز على تنشئة القيم. وتقدم هذه النقطة النظر الاستيعابي الثقافي كنهج رئيسي بدلاً من نظرية المجموعات المشتركة، خاصةً في حالات الزيجات بين ثقافات مختلفة. على سبيل المثال، يظهر الاستيعاب الثقافي كوسيط أساسي في أنماط التواصل الأبوي المشترك بين الثقافات التايلاندية والإسبانية واللاتينية، والذي يؤثر بشكل مباشر على الأنظمة الفرعية وينعكس في تشكيل هويات الأفراد وتطوير احترام الذات على المدى الطويل.
   على مر السنين، لعبت الأسرة الكبيرة دورًا بارزًا في تربية الأطفال وحمايتهم من الضغوط الاجتماعية والاقتصادية. كما قامت بدور هام في نقل الدين والأعراف والسنن وأسرار التجارة. يظل دور الأسرة ملموسًا في المجتمع الإسلامي حتى اليوم، حيث أحتفظ بصمته الدينية حتى في ظل التحولات الاجتماعية الحديثة.
في الغرب، تغيرت تدريجيًا الأسرة الكبيرة إلى الأسرة الصغيرة، ثم تحولت إلى أصغر حجمًا، مثل الأسرة ذات الولد الواحد. وبسبب التغييرات الاجتماعية، وقعت الأسرة الغربية تحت ضغوط شديدة، مما أدى إلى ضعفها، ويرى معظم المسلمين هذه التغييرات في نمط الحياة، بما في ذلك الآداب الجنسية وأدوار الرجل والمرأة في المجتمع الغربي، كتجارب غير مكتملة ومحل نزاع بين المجتمع الإسلامي والمجتمع الغربي.
   يشير النقاش حول هذه القضايا إلى توتر بين المؤسسات الإصلاحية في الغرب والعالم الإسلامي، حيث يعارض المحافظون اليهود والمسيحيون في الغرب تلك الرسوم والآداب الجديدة بشكل مشابه للمسلمين. وعلى الرغم من هذا التباين، يظهر أن هناك تفاهمًا بين المسلمين وبين جيرانهم اليهود والبروتستانتيين في الولايات المتحدة فيما يتعلق بأهمية الزواج والأسرة.
   فيما يتعلق بقضية الزواج، يُلاحظ أن فهمه ودوره في الإسلام يختلف عن المسيحية، حيث يُعتبر الجنس في الإسلام رباطًا مقدسًا ومباركًا يحتاج إلى التنظيم والتأطير القانوني عبر عقد الزواج الشرعي. وفي المقابل، ترى الديانتان المسيحية واليهودية الجنس بشكل مختلف، حيث يُلقى التطهير بشكل أكبر دورًا في المسيحية عن طريق الزواج.
   في النهاية، يظهر أن رؤى المسلمين حول التجارب الاجتماعية الجديدة في مجال الزواج والأسرة لا تختلف كثيرًا عن تلك لدى اليهود والمسيحيين التقليديين، ويظل هذا الموضوع مصدر نزاع بين العالمين الإسلامي والغربي.



تعليقات